إن لزوم طبيعة التوصيلية والتدابير المتخذة في مواجهة الجائحة الراهنة والفرص غير المسبوقة التي يُتيحها قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعافي من الأزمة العالمية شكلت المجالات الرئيسية التي سلّط الضوء عليها بعض الوزراء والهيئات التنظيمية وقادة دوائر صناعة التكنولوجيا في العالم، أثناء اجتماعات الموائد المستديرة الوزارية التي عُقدت في إطار حدث 'العالم الرقمي الافتراضي لعام 2020' الذي نظمه الاتحاد الدولي للاتصالات مؤخراً. وحددت المناقشات التي استمرت لثلاثة أيام المجالات التي تحظى بأولوية اهتمام الحكومات ودوائر صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ونحن نمضي قُدماً.
التوصيلية الحاسمة
لقد أبرزت الجائحة الراهنة ما للتوصيلية من أهمية حيوية. فالقدرة على التوصيل بشبكة الإنترنت قد تجاوزت مجرد كونها أحد متطلبات الأعمال إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير؛ إذ أصبحت التكنولوجيات الرقمية أدوات أساسية في النفاذ إلى المعلومات العاجلة، وخدمات الرعاية الصحية، وسبل التماس المشورة، ومجالي العمل والتعليم، والأخبار. فللتوصيلية أهمية حاسمة في إبقاء الناس متباعدين مادياً ولكن معاً افتراضياً.
وفي الوقت ذاته، كشفت جائحة فيروس كورونا (COVID-19) عن وجود فجوة رقمية جديدة، لا بين الأسواق المتقدمة والأسواق النامية فحسب، وإنما أيضاً بين الأشخاص الحائزين لتكنولوجيات رقمية والقادرين على الاستفادة منها مع تزايد تحوّل أنشطة حياتنا نحو شبكة الإنترنت وبين غير القادرين على ذلك.
التدابير الفورية المتَّخذة
لقد انبَرَت الجهات الحكومية والصناعية الفاعلة الرئيسية في بلدان العالم لمجابهة هذا التحدي وعملت معاً من أجل تنفيذ تدابير طارئة وخدمات حيوية كالإنذارات الإعلامية النصّية والخطوط الهاتفية الساخنة ضماناً لصحة المواطنين وسلامتهم. وقد تضمنت الإجراءات القصيرة الأجل التي اتخذتها الحكومات لدعم مشغّلي شبكات الاتصالات تخفيف الشروط التنظيمية المتعلقة بالطيف وتقاسم البنى التحتية ومنح التراخيص، فضلاً عن الاعتراف بأن مهندسي الاتصالات عاملون أساسيون قادرون على التحرك لدعم البنى التحتية الحساسة وصيانتها.
كما أن التحوّل المُزلزِل الذي شهدته أنماط العمل مع توجّه الكثيرين نحو العمل عن بُعد قد انطوى أيضاً على ضرورة التكيف مع الزيادة الضخمة التي سجلتها أنماط حركة الشبكات. وقد استطاعت الشبكات التأقلم مع هذا التغير.
فقد اضطرت الحكومات إلى مزاولة الكثير من أعمالها على شبكة الإنترنت، الأمر الذي أسهم في تسريع وتيرة التقدم في مجال الحكومات الإلكترونية بخطى هائلة، ويُتوقع استمرار ذلك بعد انتهاء الجائحة.
الفرص والتحديات
لقد طرحت الجائحة تحديات كبرى وأتاحت فرصاً جديدة، أيضاً، في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. فقد انتعش على إثرها بعض القطاعات كقطاعي الصحة الإلكترونية والتعليم الإلكتروني اللذين سيواصلان الاضطلاع بأدوار مهمة في هذا السياق. ففيما يتعلق بميدان الصحة، دعمت التكنولوجيات الرقمية مجالات مثل عمليات التعقّب والتتبّع أو المساعدة في تشخيص مرض فيروس كورونا (COVID-19) عن بُعد والتطبيب عن بُعد، وكذلك التنبؤ بأنماط العدوى والتفشّي باستخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والخوارزميات. أما ميدان التعليم، فقد انتقل إلى شبكة الإنترنت ليُتيح التعلم عن بُعد لطلاب المدارس والجامعات في شتى أنحاء العالم، وذلك بمساعدة حلول مبتكرة تتعلق بالتوصيلية من بينها إتاحة النفاذ إلى شبكات WiFi عمومية بالمجان، واستخدام صناديق الخدمة الشاملة لتقديم الخدمات في المناطق الريفية، والدعم الحكومي، وإتاحة مجانية النفاذ إلى المنصات والمواقع الإلكترونية المخصصة للتعلم. وقد تضمّنت آثار الجائحة أيضاً قيام البلدان بتسريع سن التشريعات واعتماد خطط وطنية للتحوّل الرقمي.
وفي هذه الأوقات العصيبة، تتزايد أهمية قضية محو الأمية الرقمية. إذ يحتاج الناس إلى مجموعة المهارات المناسبة لتمكينهم من البقاء والنماء في العالم الرقمي. ومن ثًم، فمن اللازم أن تكون تنمية القدرات البشرية في صميم جهود توصيل الفئات غير الموصولة.
كما أن أهمية الأمن السيبراني تتزايد حسماً حالياً أكثر من أي وقت مضى. فمع تزايد عدد الموظفين العاملين عن بُعد وكم المعلومات الأساسية الجاري نشرها عبر التكنولوجيات الرقمية في الوقت الحاضر، زادت أيضاً الهجمات السيبرانية إبّان الأزمة. وقد أدى ذلك إلى زيادة القابلية للتأثر وزيادة إدراك الحاجة إلى سن تشريعات ملائمة والتعاون عبر الحدود.
كيفية المضي قدماً
لقد بعث حدث 'العالم الرقمي الافتراضي للاتحاد لعام 2020' برسالة واضحة مفادها: أنه يجب أن يُبنى العالم الرقمي الجديد على أساس تواصل التنسيق والتعاون وطنياً وإقليمياً ودولياً لضمان التوصيلية المستدامة للجميع.
وفي هذا المضمار، ينبغي أن تتصدَّر التوصيلية والتكنولوجيا الرقمية الشواغل السياساتية. فلا بد للحكومات من بناء بيئات مؤاتية للمجتمعات والأعمال التجارية الرقمية واتخاذ تدابير من قبيل تنسيق الأنظمة وإتاحة الطيف وجذب الاستثمارات ووضع حوافز للأعمال التجارية. كما أن نشر شبكات الجيل الخامس (5G) يتيح إمكانية هائلة لحفز التوصيلية وتسريع التعافي.
ويجب أن يشارك في جهود سدّ الفجوة الرقمية كل من القطاع العام والمجتمع الدولي وجميع الجهات الفاعلة في جميع الدوائر الصناعية، بما فيها مختلف مقدمي خدمات التكنولوجيا، أي مشغّلي السواتل وشبكات الاتصالات المتنقلة وشبكات الاتصالات الثابتة وشبكات الجيل الخامس والمشغّلين الناشئين، فضلاً عن شركات الابتكار الصغيرة والمتوسطة.
حدث العالم الرقمي للاتحاد لعام 2020 وما بعده
كان حدث 'العالم الرقمي للاتحاد لعام 2020' حدثاً افتراضياً دام لثلاثة أيام واشترك في تنظيمه الاتحاد الدولي للاتصالات ووزارة المعلومات والاتصالات في فيتنام (MIC)، وتضمّن اجتماعات موائد مستديرة وزارية، وحلقات دراسية إلكترونية نُظمت في إطار المنتدى، ومعرضاً على شبكة الإنترنت، وضمّ نحو 80 متحدِّثاً رفيع المستوى من بينهم وزراء ومسؤولون بالهيئات التنظيمية وقادة لدوائر صناعة التكنولوجيا من مختلف أنحاء العالم.
وإلى جانب اجتماعات الموائد المستديرة الوزارية والمنتدى، تضمن حدث 'العالم الرقمي الافتراضي للاتحاد لعام 2020' أيضاً معرضاً عالمياً افتراضياً، سيظل مفتوحاً حتى نهاية شهر نوفمبر الحالي، نظمته دولة فيتنام بدعم من الاتحاد، يعرض الابتكارات التكنولوجية لأكثر من 150 جهة عارضة افتراضية من فيتنام والشركات العالمية. كما شمل الحدث عشرة أجنحة عرض وطنية من شتى بلدان العالم من بينها فيتنام وكمبوديا وكوبا وفنلندا والهند واليابان وكوريا ولاوس وتيمور ليشتي وزامبيا.
ويشكل هذا الحدث جزءاً من برنامج الأنشطة الافتراضية الذي ينظمه الاتحاد بالاشتراك مع وزارة المعلومات والاتصالات في فيتنام في الإعداد لحدث العالم الرقمي للاتحاد لعام 2021، الذي سيُعقد في أكتوبر 2021 في هانوي بفيتنام باستضافة حكومة فيتنام. وسيكون النشاط الافتراضي المقبل جوائز حدث العالم الرقمي الافتراضي للاتحاد لعام 2020 للشركات الصغيرة والمتوسطة، الذي سيتضمن سلسلةً من الفصول الدراسية الرئيسية للشركات الصغيرة والمتوسطة التي سيكون باب المشاركة فيها مفتوحاً للجميع، وعرضاً مباشراً اعتباراً من 30 نوفمبر حتى 3 ديسمبر، وحفلاً لتوزيع الجوائز في 7 ديسمبر 2020.